زوايا و حوار

كرة القدم الوطنية كم هو زمن اللعب الفعلي بملاعبنا؟ Temps de Jeu Effectif

زاوية رأي بقلم محمد عمامي

كرة القدم لعبة شعبية في أساسها يعشقها الملايين، بل الملايير من الناس على امتداد الكرة الأرضية. وبغض النظر عن أبعادها السياسية والاقتصادية فإن شغف الجمهور بها مرتبط في الأساس بعنصر الفرجة الذي توفره وبما تدخله على الجماهير بمختلف شرائحها وأعمارها من إحساس بالفرح والسعادة والنشوة على إثر تسجيل هدف أو القيام بحركة فنية متميزة أو منع تسجيل هدف للخصم أو صنع فرجة استثنائية…
وبقدر ما تلعب كرة القدم دورا مهما في تحفيز هاته الأحاسيس الإيجابية والتي تساهم في خلق تلاحم بين الجماهير ونواديها والوصول إلى الشعور بالارتياح والرضى عقب تحقيق ولو حد أدنى منها، فإنه على العكس من ذلك تساهم كرة القدم في الشعور بالإحباط وعدم الرضى والضيق النفسي ومختلف الأحاسيس السلبية عقب الهزيمة أو عدم الاستمتاع والحصول على الفرجة المرجوة.
وبملاعبنا المغربية تتعدد أسباب عدم الرضى والقلق، بل وخلق أحاسيس متناقضة تسفر أحيانا عن ردود أفعال بعيدة كل البعد عن قيم الرياضة المتمثلة في إشاعة ثقافة التسامح والقبول بالنتيجة مهما كانت. وسنركز في هذا المقال عن الزمن الفعلي للمباريات داخل بطولتنا الوطنية التي تم اعتبارها احترافية منذ موسم 2011/2012. ونقصد هنا بالزمن الفعلي اللحظات الزمنية التي تكون فيها الكرة ملعوبة بالفعل على غرار قواعد اللعب المعمول بها في مجموعة من الرياضات وعلى رأسها كرة الصالات حتي لا نبتعد عن موضوعنا لأن هناك رياضات أخرى تتبنى نفس القواعد ككرة السلة على سبيل المثال لا الحصر.
والموضوع يستنبط أهميته من كون الوقت الذي لا تلعب فيه الكرة يطغى في الكثير من الأحيان على وقت اللعب الفعلي، ما يجعل الجماهير تحس بنوع من الملل، بل وتتحول إلى مباريات أخرى تحقق الفرجة من خلال التنافس المشتعل وعدم توقف الكرة كما يقال، على غرار ما نلاحظه في البريميرليغ مثلا، حيث يمتد التنافس إلى الأوقات الميتة وحيث لا يعتبر أي فريق نفسه منتصرا أو منهزما إلا بعد سماع الصافرة النهائية للحكم. بالمقابل تتميز أغلب مباريات الدوري الوطني بالبطئ واللجوء إلى تكسير الإيقاع بين الفينة والأخرى، والتحايل من أجل الحصول على الأخطاء أو ضربات الجزاء خاصة والتي يكون الهدف منها في أغلب الأحيان ربح المزيد من الوقت خاصة إذا كان الفريق منتصرا. ومن المفارقات العجيبة أنه بمجرد تسجيل نتيجة إيجابية يتحول الفريق الذي كان يشتكي من إضاعة الوقت إلى إعادة إنتاج نفس السلوكات التي كان يحتج على الحكم بخصوصها.
نفس الشيء يقع عند أي قرار تحكيمي كيفما كان نوعه. فأي إعلان للحكم عن ضربة جزاء مثلا، وإن كانت واضحة، تستنفر غضب الفريق الذي تسبب فيها فيلتف أغلب اللاعبين حول الحكم ويستمر الجدال وقتا طويلا وقد لا ينتهي قبل التلويح ببطاقات صفراء أو حمراء. ويزداد الوضع سوءا إذا ما نادت غرفة الفار على الحكم، حيث يضغط الفريق المشتكي عليه ولا يترك له المجال لكي يستمع أو يناقش الغرفة. وبغية عدم ترك المجال مفتوحا للاستفراد بالحكم يتقدم الفريق المستفيد من ركلة الجزاء ليساهم بدوره في الجدل الذي لا يترك مجالا للحكم للاستماع، بل ويطيل مدة الانتظار قبل القرار النهائي بشرعية ركلة الجزاء من عدمها. وقد تطول مدة الانتظار إذا قرر الحكم التوجه إلى شاشة الفار حيث يفرض عليه أن يجد طريقه وسط حشد من اللاعبين، بل يفرض عليه أن يمر وسط دكة الاحتياط التي تقف برمتها بين لاعبي احتياط ومسيرين وإداريين…وقد لا يخلو المجال من مضايقات حتى والحكم يستعرض اللقطات من خلال أصوات نشاز من هنا وهناك تتضمن من الوعيد والسباب ما يعجز اللسان عن وصفه في هذا السياق.
بعد القرار يحتاج الحكم المسكين لمجهود كبير قد ينال من تركيزه خلال ما تبقى من أطوار المباراة من أجل إعادة الأمور إلى نصابها، ولكم أن تتخيلوا حجم المعاناة إذا تكرر نفس الأمر ثلاث أو أربع مرات في المباراة.
أما إذا تم تأكيد ركلة الجزاء وأسفرت عن تسجيل الهدف فسوف يقوم الفريق المستفيد برفض اللعب تماما من خلال مجموعة من الممارسات التي تتوزع بين ما يقوم به اللاعبون داخل رقعة الملعب من السقوط المتكرر لأبسط احتكاك والاستمرار في التقلب على أرضية الملعب وأخد الوقت لتقديم الإسعافات الأولية، وأخد الوقت لخروج طاقم الإسعاف، وأخد الوقت لتحديد مكان الخطأ، وأخد الوقت لتنفيذ ضربة الخطأ…وبين ما يجري خارج رقعة اللعب من اختفاء الكرات وغيره، خاصة إذا كان الفريق الفائز هو الفريق المستقبل.
واعتمادا على ما سبق وباعتماد قواعد كرة الصالات فقد تستمر المباراة أربع أو خمس ساعات قبل الإعلان عن الصافرة النهائية للحكم وقليلا ما تنتهي المباراة دون الدخول في شوط إضافي من الاحتجاج قد لا ينتهي قبل رفع مجموعة جديدة من الأوراق الصفراء والحمراء. مشاهد لا تخدم في شيء كرتنا المقبلة على مجموعة من الاستحقاقات خاصة إذا ما تزامن ذلك مع تفاعل الجماهير على المدرجات وما يمكن أن ينتج عنه من مشاهد تنال من المجهودات المبذولة على أكثر من مستوى.
حجم الإشكالية كبير جدا ولا يستطيع الحكم لوحده تحمل مسؤولية ما يقع، إذ يقدمه البعض ككبش فداء معتبرين مسؤوليته الكاملة عن خروج المباراة عن السيطرة، أو لكون المباراة أكبر من الحكم…أو غيرها من التفاسير التي تحجب حقيقة وعمق الإشكالية التي تتطلب مقاربة مختلفة تسائل مختلف المتدخلين في سلسلة كرة القدم على اعتبار بعدها الاقتصادي والسياسي …الذي يتطلب تعميق النقاش والوقوف على أسباب الإشكالية ومختلف تداعياتها.
ومن بين الحلول المستعجلة التي ينبغي العمل على إرسائها تبني مؤشر الزمن الفعلي لكل مباراة، على غرار ما هو معمول بها داخل البطولات المرجعية والعمل على تطويره وتتبع الفرق التي تعمل على الرفع من قيمة المؤشر وتشجيعها وتحديد الفرق المتسببة في تدني المؤشر والعمل على مواكبتها من خلال برامج عمل متعددة الأبعاد. فإذا كان معدل المؤشر يسجل ما بين 50 و 60 دقيقة حسب طبيعة المباريات والأطراف المعنية على مستوى البطولة الفرنسية وما يقارب 70 دقيقة داخل البطولات القوية فإنني وحسب ما أشاهده نهاية كل أسبوع وبالعين المجردة أكاد أجزم بأن الزمن الفعلي المتوسط لمبرياتنا لا يتجاوز 30 دقيقة وأن 60 دقيقة المتبقية موزعة بين الكرة خارج الملعب، السقوط المتكرر، الاحتجاجات المختلفة، الفار…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى